لا يعرف متى لحقته لعنة جعلته لا يبتسم الا حين ينفرد بذاته ، أحيانا يكون برفقة اصدقائه في المقهى ، يتسلى معهم بملاحقة
عيون الفتيات المدمنات على شرب الجعة ، و يحدث أن تخطف نظره ابتسامة فتاة شردت بعيدا عن حوار صديقاتها ، فيحرك شفتيه في اتجاه ما ، محاولا مبادلتها الابتسامة ، لكنه يتعثر ، كما يتعثر طفل و هو يحاول ان يمشي لأول مرة ، فيختفي خلف دخان سيجارته ، و يود لو يهتف باعلى صوته
لها ، بانه كان على وشك الابتسام ...لكنه يتراجع ، عائدا الى
عزلة وجهه الوحيد الصامت .
هي لعنة حسب اعتقاده ، لانه لم يرثها من طبع طفولته ،و انما حلت به في يوم لم يعد يتذكر تاريخه ، و قد احتضنها بكل حب في البداية ، ظنا منه بأنها هالة مصاحبة للفنانين المغمورين ، كان رساما ، و لا يزال ، يحمل لوحاته الرصاصية الصغيرة ، من مدينة الى اخرى ، رافضا وضعها في معرض عام ، بل يكتفي بوضعها على جدران المقاهي و الحانات التي يألفها ، و هو يفعل هذا حتى دون استشارة اصحابها ، ثم يرحل متمنيا أن لا يلاحظوا وجودها ، لكن هيهات ...فلوحاته لا تدوم الا في الحانات الاكثر فوضى و اهمالا .
اليوم ، دخل حانة اخرى ، و انتظر مجيء فتاة كانت قد ابتسمت له بالامس ، و هي تشرب كأسا مع صديقها ، كانت ترتدي تنورة شفافة ، و ربما ابتسمت لانها اكتشفت تلصصه الخبيث على ما انكشف بين ساقيها ، لكن هذا يبقى مجرد احتمال ، لانه احيانا يصوب نظراته الى اي مكان ، بينما يغيب بفكره في أمكنة و ازمنة اخرى ، و قد يستفيق من شروده احيانا ، على صوت شخص غريب يخاطبه محتجا :
- الى ماذا تنظر ؟
انتظر ساعتين ، فحضرت الفتاة دون صاحبها ، أحاطت ببصرها المكان متفحصة ملامح أشخاصه ، ثم رأته ، فاتجهت اليه دون تردد و هي تبتسم، ارتعد قلبه .. و تجمدت شفتاه ..و سمعها تقول و هي تمد يدها لمصافحته :
- أهلا اسمي ......هل أنت مغربي ؟
- نعم ..
قالت :
- سؤالي لا يضايقك ...
كانت الاسئلة ، اخر ما يمكن ان يضايقه في تلك اللحظة ..
- أبدا ..لا يضايقني ..
طلبت كأسا ، و أبدت امتنانها للطفه ، قال محاولا استجلاء سر علاقتها بفتى البارحة :
- لا أرى صديقك ..ألن يحضر اليوم..
- لا أنا وحيدة هذا المساء ..اذا أردت يمكننا أن نتمشى معا في الخارج ..الا تذكرني ؟
- لا ..هل تعارفنا من قبل ..
- البارحة ..هل نسيت كنت ..
- اه ..طبعا ظننت انك تقصدين ..
- اه ..لا
- لا أبتسم بسهولة..بل ربما لا أبتسم أبدا ..
نظرت اليه مستغربة ، محاولة ان تأخذ كلامه على محمل الدعابة ..قالت :
- و منذ متى يحدث لك هذا ..؟
- منذ زمن طويل ..ألديك حل ؟
- طبعا ..الارجوحة ..
ابتسمت بخبث ..ثم تراجعت امام صمته ، لتقول بكلمات متوددة :
- تعال ..تعال يارجل ..و سنرى ..
أحاطت ذراعه بذراعها ، ثم أخذته بعيدا عن الحانة ..
ملكة الاحساس ; توقيع العضو |
|